عنوان المقال: انفراط العقد
موضوع المقال: ثورة الجهاديين ضد بن لادن
"المصدر: مجلة "ذا نيو ريبابليك
(The New Republic)
"كاتبا المقال: "بيتر بيرجن"، "باول كروكشانك
ترجمة: علاء البشبيشي
تاريخ النشر: الأربعاء، 11 يونيو، 2008
خلال دقائق معدودة من وصوله إلى بيت الضيوف في قندهار، وجد "نعمان بن عثمان" أسامة بن لادن آتيًا للترحيب به، خاصة وأن الرجل كان قادمًا من رحلة شاقة بدأها من كابل، استغرقت 17 ساعة، على متن إحدى الشاحنات الصغيرة من طراز "تويوتا".
كان ذلك في صيف عام 2000، حينما دُعي "بن عثمان" من قبل بن لادن لحضور مؤتمر للجهاديين من مختلف دول العالم العربي، وهي السابقة الأولى من نوعها منذ انتقال القاعدة إلى أفغانستان في العام 1996.
بن عثمان، سليل إحدى العائلات الارستقراطية، التي تم تهميشها من قبل الرئيس الليبي معمر القذافي، تعرَّف على بن لادن أيام قتال حكومة أفغانستان الشيوعية في أوائل التسعينيات، ووقتها نصَّب "بن عثمان" نفسه قائدًا للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.
وفي الليلة التي وصل فيها "بن عثمان" أعد بن لادن وليمة فارهة، وهو الأمر المُستَغرب على زعيم القاعدة الذي اشتهر باقتصاده في الإنفاق. وفي الوقت الذي كان يتجول فيه بن لادن، ويدير نقاشات خفيفة، كانت آنية الأرز الكبيرة، ولحم الضأن المشوي يقدم لمائتين من المجاهدين، معظمهم جاء من منطقة الشرق الأوسط.
يقول بن عثمان: "لقد كان الأمر إعادة توحيدٍ عظيمٍ للمجاهدين؛ فقد كان معظم قادة الجماعات الجهادية على مستوى العالم العربي حاضرين، بالإضافة إلى كل أفراد القاعدة".
كان بن لادن يسعى لكسب تأييد المزيد من الجماعات المسلحة إلى جانب دعوته إلى "الجهاد العالمي"، والتي أطلقها ضد الولايات المتحدة في العام 1998.
خلال الأيام الخمس التي تلت هذا اللقاء، التقى بن لادن، وكبار مساعديه، بمن فيهم أيمن الظواهري، بالعشرات من قادة المجاهدين؛ الذين جلسوا على الأرض في حلقة، تلفها وسائد كبيرة، من أجل مناقشة مستقبل حركتهم.
وفي هذا يقول بن عثمان لأحد كاتبي المقال، العام الماضي، في أول تصريح له حول هذا اللقاء: "ناقشنا كل شيء، أين نحن ذاهبون، وما هي الدروس التي تعلمناها من السنوات العشرين التي خلت".
ورغم الترحيب الحار، فاجأ بن عثمان مضيفيه بتقييمٍ صريح لأوضاعهم، قال فيه: "إن الحركة الجهادية قد فشلت؛ وذلك لأننا بتنا ننتقل من مصيبة لأخرى، وأضحى وضعنا أشبه بما يحدث في الجزائر، ومَردُّ ذلك أننا لا نحشد الناس حولنا".
وكان بن عثمان يشير للحرب الأهلية التي نشبت في الجزائر من قبل الجهاديين في التسعينيات، والتي خلفت 100 ألف قتيل، وأتت على الدعم الذي كان يتمتع به الجهاديون.
وأخبر "بن عثمان" "بن لادن" أيضًا أن قرار استهداف الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أخذته قيادة القاعدة، سيؤدي فقط إلى إفساد الجهود التي يقوم بها أمثال بن عثمان لإسقاط النظم الديكتاتورية العلمانية في العالم العربي.
وأضاف بن عثمان: "لقد وجهنا إليه طلبًا صريحًا بإيقاف حملته ضد الولايات المتحدة؛ لأنها لن تؤدي لنتيجة. لكنهم ضحكوا حينما أخبرتهم أن أمريكا ستهاجم المنطقة بأسرها إذا شنت القاعدة هجوما آخر ضدها".
يتذكر بن عثمان وعد بن لادن، الذي حاول استرضائه به، والذي قال فيه: "أمامي عملية واحدة، وبعدها سأتوقف، ولا يمكنني التراجع عن هذه العملية الآن؛ لأن ذلك من شأنه أن يفت في عضد المنظمة". وهي إشارة واضحة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وبعد وقوع الهجمات، تقاعد بن عثمان من قيادة الجماعة الإسلامية المقاتلة، وهو الآن يعيش في لندن.
حقيقةً، فعل "بن عثمان" ما هو أكثر من التقاعد؛ ففي يناير من العام 2007، سافر إلى تريبولي سرًا على متن طائرة خاصة، تابعة للحكومة الليبية، في محاولة لإقناع القادة المسجونين من جماعته السابقة، بالدخول في مفاوضات سلام مع النظام الليبي، وقد حالفه النجاح في محاولته تلك.
وفي شهر مايو الماضي، أخبرنا بن عثمان، أن الفريقين أضحوا على بعد خطوات، ربما 3 أشهر، من اتفاق تُنهي بمقتضاه الجماعة الإسلامية المقاتلة عملياتها داخل القطر الليبي رسميًا، وتنأي بنفسها عن فكرة "الجهاد العالمي" التي أطلقتها القاعدة. بالإضافة إلى ذلك ستفند الجماعة مزاعم القاعدة أن المنظمتين لديهما مقاتلين مشتركين.
وفي نوفمبر الماضي، انتقد بن عثمان القاعدة علانية، من خلال خطاب مفتوح وجهه للظواهري، استدعى فيه للأذهان تحذيراته التي أطلقها في قندهار، ودعوته القاعدة إلى إنهاء كل عملياتهم المسلحة داخل الدول العربية، وفي الغرب؛ وذلك لأن المواطنين الغربيين لا ذنب لهم، ويجب ألا يكونوا هدفًا للهجمات المسلحة.
يحكي بن عثمان ذلك، بلهجة إنجليزية صافية، وبحلة أنيقة، وبلحية مهذبة، تجعل من الصعوبة بمكان تخيُّل أن هذا الرجل كان ذات يوم واحدًا من المقاتلين في الصفوف الأمامية في أفغانستان.
ورغم أن انتقاد بن عثمان العلني للقاعدة لم يلق رواجًا في أمريكا، إلا أنه وجد صدى واسعًا في الصحف العربية.
وكان بن عثمان بانتقاده للقاعدة يضم صوته لمد متزايد من الغضب في العالم الإسلامي ضد القاعدة وأذرعها، خاصة وأن معظم ضحايا هجماتهم، بعد أحداث 11 سبتمبر، كانوا من بني جلدتهم الذين يدينون بالإسلام.
وبصفة خاصة كان بن عثمان، بانتقاداته للقاعدة، ينضم إلى نخبة أكبر من العلماء، والمقاتلين السابقين، والمسلحين الذين كانوا يتمتعون بتأثير كبير على قادة القاعدة، والذين هالهم استهداف المدنيين في الغرب، وقتل المسلمين بلا رحمة في البلدان الإسلامية، وتكتيكات القاعدة الوحشية في العراق. كل هذا جعلهم ينقلبون على القاعدة، وقد حدث معظم ذلك خلال العام المنصرم.
بعد أحداث 11 سبتمبر، تفشى في الغرب خوف كبير من وقوع صدام حضارات مرتقب مع العالم الإسلامي، بقيادة بن لادن، الذي أغرى البسطاء من الشباب المسلم بالانضمام لتنظيمه. لكن انتقاد العلماء، والمقاتلين السابقين، في العالمين العربي والإسلامي للقاعدة يقلل من احتمالية نشوب هذا الصدام.
رد فعل القاعدة على هذا النقد لا يمكن توقعه، لأن منتقديها هذه المرة لديهم من الوثائق والأدلة ما يجعل انتقاداتهم مؤلمة.
وفي هذا المعنى يقول بن عثمان، الذي يرى فيما تفعله المقاومة العراقية جهادًا مشروعًا: "النقطة التي يجب أن ننطلق منها هي أن الجهاد مشروع، أبى من أبى. وقد أتت ردود الفعل على انتقاداتي للقاعدة أبعد من الخيال، لقد أثارت غضب المتطرفين بشدة، ربما لأنها هزتهم بقوة".
لماذا انقلب العلماء والمقاتلون الذين كانوا محسوبين في وقت من الأوقات على القاعدة ضد التنظيم؟ لحد بعيد يرجع ذلك إلى عقيدة التكفير التي تبنتها القاعدة وفروعها، والتي ادعوا بموجبها حق تقرير من هو المسلم الحقيقي.
ويعلم منتقدو القاعدة أن تداعيات هذا التكفير تؤدي إلى:
أولا: وسم القاعدة لبعض المسلمين بالردة، ثم قتلهم، وهو الأمر الذي حدثت مقدماته في الجزائر ومصر في التسعينيات، ويحدث الآن بصورة أكثر مأساوية في العراق، حيث تسببت الهجمات التي تقودها القاعدة في مقتل 100 ألف من المدنيين، أو يزيدون. والآن تحولت القاعدة لاستهداف السنة الذين يُعارضون سياستها في بلاد الرافدين، وهي الحقيقة التي لم تغب عن أذهان الغالبية السنية في العالم الإسلامي.
بالإضافة إلى ذلك، قامت القاعدة وأذرعها بقتل آلاف المسلمين من المدنيين، في أكثر من مكان، بعد أحداث 11 سبتمبر؛ فهناك مئات الأفغانيين المدنيين يلقون حتفهم كل عام على يد مسلحي طالبان، وآلاف السعوديين الذين قُتلوا جراء الهجمات الإرهابية منذ العام 2003، وغيرهم من الأردنيين الذي قتلوا في تفجير إحدى فنادق عمان في نوفمبر عام 2005.
حتى المتعاطفين مع القاعدة بدأوا يلاحظون ذلك؛ فهاهو أحد مؤيدي القاعدة يطرح سؤالا على الرجل الثاني في التنظيم، الدكتور أيمن الظواهري، من خلال مبادرة أُطلقت في أبريل على أحد المواقع الالكترونية الجهادية، قال فيه: "معذرة د. الظواهري، من الذي يقتل بمباركتك الأبرياء في بغداد، والمغرب، والجزائر؟.
كل ما سبق ذكره كان سببًا في بزوغ فجر الاعتراف على سماء المسلمين، أن الفيروس الفكري الذي خطط لتفجيرات 11 سبتمبر، وهجمات لندن ومدريد، هو نفسه الفيروس الذي يبُث الفوضى في العالم الإسلامي الآن.
وقبل شهرين من نشر خطاب بن عثمان للظواهري في الصحف العربية، تلقت القاعدة عاصفة من أحد أبطال بن لادن السابقين، وهو العالم السعودي الشيخ سلمان العودة، الذي وجه خطابًا، في الذكرى السادسة لأحداث 11 من سبتمبر، لزعيم تنظيم القاعدة من خلال شاشة محطة "MBC" التليفزيونية الفضائية، ذائعة الصيت في منطقة الشرق الأوسط، قال فيه: "أخي أسامة.. كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء الذين قُتلوا أو شُرِّدوا أو طُرِدوا باسم "القاعدة"؟ أيسرك أن تلقى الله وأنت تحمل عبء هؤلاء على ظهرك؟ وهم يُعَدُّون بمئات الآلاف أو بالملايين؟".
الجدير بالملاحظة في كلام الشيخ العودة أنه لم يكن مجرد إدانة للإرهاب، أو حتى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل كان إدانة شخصية، لطالما أحجم عنها الكثيرون من علماء العالم الإسلامي.
قابل أحد الكاتبين الشيخ العودة، في فبراير من العام 1990، بمنطقة القصيم شمالي السعودية، وهو الذي نادرًا ما يتحدث مع المراسلين الغربيين. كان يرتدي عباءة سوداء، حين استرجع ذكريات لقائه بأسامة بن لادن، قائلا: "كان رجلا بسيطًا، لا يحمل شهادة علمية شرعية، لكنه كان ذو شخصية جذابة، يجيد التحدث".
وقد أوضح العودة أنه انتقد القاعدة طيلة سنوات عديدة، لكنه لم يوجه انتقاده لأسامة بن لادن شخصيا من قبل"، مضيفًا: معظم العلماء وجهوا انتقادهم للأفعال الإرهابية، وليس لشخص بعينه... وأنا لا أتوقع حدوث تأثير إيجابي على بن لادن نتيجة لكلماتي، بل رسالتي موجهة لأتباعه".
إدانة العودة تنبع أهميتها أيضًا من كون الشيخ يُعتبر واحدًا من الآباء الروحيين لحركة الصحوة الإسلامية، التي انتشرت في المملكة في ثمانينيات القرن الماضي. كما ساهمت خطبه ضد التواجد الأمريكي العسكري في العراق، بعد احتلال صدام حسين الكويت في عام 1990، في تشكيل عداء أسامة بن لادن للولايات المتحدة.
وكما أخبر بن لادن أحدنا في عام 1997 أن سجن الشيخ العودة عام 1994 من قبل النظام السعودي، شجع العراقيين على قتال الاحتلال الأمريكي لبلادهم.
إن الشيخ العودة، باختصار، ليس شخصًا بمقدور القاعدة وسمه بالتعاطف مع الأمريكيين، أو بكونه أداة في يد الحكومة السعودية (في إشارة لهجومة على الاحتلال الأمريكي، وسجنه من قبل النظام السعودي الحاكم).
ورغم عدم استجابة القاعدة لانتقادات العودة، إلا أن مؤسسات البحث حول الإسلام السياسي على الشبكة العنكبوتية تتبعت ما نُشر، على مدار 6 أشهر، على المواقع الإسلامية، وعلى مواقع الجزيرة والعربية، بعد رسالة العودة، ووجدت أن ثلثي التعليقات أتت إيجابية، وقد ساهم أتباع العودة الكثيرين في العالم الإسلامي في نشر رسالته ضد القاعدة.
في العام 2006، على سبيل المثال، خاطب العودة جمعًا يضم 20 ألفًا من شباب المسلمين في إيست إند البريطانية، وكانت نتيجة اللقاء طيبة.
وقد أُثير المزيد من الشكوك حول القاعدة في العالم الإسلامي بعد المراجعات التي قام بها "سيد إمام الشريف"، الأب الروحي لفكر القاعدة، وسحْب تأييده للتنظيم من خلال كتاب أصدره العام الماضي من زنزانته بأحد سجون القاهرة.
ويقتنع الشريف، المشهور بالدكتور فضل، مهندس عقيدة التكفير، بأن المسلمين الذين لا يدعمون الجهاد المسلح، أو يشاركون في الانتخابات يعتبرون كفارًا.
ورغم أن الدكتور فضل لم يدع صراحة بقتل أحد من الناس، فإن أبحاثه التكفيرية التي ترجع للعام 1988، و 1993 وفَّرت غطاءً شرعيًا للجهاديين لاستهداف المدنيين.
كان الدكتور فضل أيضًا مستشارًا للظواهري، وكان مثله طبيبًا جراحًا يتمتع بمهارة عالية، وكان يتحرك في دوائر نضالية أثناء تواجده في كلية الطب بجامعة القاهرة في السبعينيات من القرن الماضي.
وحينما اغتيل الرئيس أنور السادات، عام1981، وسُجِن الظواهري بتهمة ارتباطه بالحادث، فرَّ الدكتور فضل إلى بيشاور الباكستانية، وهناك أدار مجموعة من المجاهدين المرهقين من حرب السوفييت.
وبعد إطلاق سراح الظواهري من السجن، التحق بالدكتور فضل في بيشاور، وهناك أسسا فرعًا جديدًا لحركة الجهاد.
ويذكُر أسامة رشدي، أحد الجهاديين المصريين السابقين، والذي يعيش الآن في بيشاور، أن أهمية الدكتور فضل كان أمرًا محل شك، واصفًا إياه بأنه كان أشبه بـ"زعيم لأحد عصابات المافيا في شيكاغو". بن لادن أيضًا كان يحمل شكوكاً كبيرة بشأن الدكتور فضل، الذي تولى إدارة القاعدة في عام 1993 بالسودان، بعدما جُرح في بن لادن في محاولة اغتياله.
لذلك كان كتاب الدكتور فضل الجديد- والذي نُشر بالتسلسل في أحد الصحف المستقلة المصرية في شهر نوفمبر- بمثابة المفاجأة غير المرحب بها لدى زعيم القاعدة.
ويوضح الدكتور فضل أن الحافز لانتظار الكتاب كان "تلوث الجهاد بانتهاكات شرعية خطيرة خلال السنوات الأخيرة... والآن هناك من قتلوا المئات، من بينهم الأطفال والنساء، والمسلمون وغيرهم، تحت مسمى الجهاد!".
وقد أعترف الدكتور فضل بأن تفجيرات القاعدة التي قادها في مصر والمملكة العربية السعودية وفي غيرهما كانت غير شرعية، معتبرًا الإرهاب بحق المدنيين في الغرب كان خطئًا.
كما تحدث الدكتور فضل عن قادة القاعدة مباشرة، في أحد اللقاءات التي عقدتها معه صحيفة الحياة، قائلا: "الظواهري وأميره بن لادن لا خلاق لهما"، مضيفًا: "لقد تكلمتُ في هذا الشأن بهدف تحذير الشباب منهما، هؤلاء الشباب الذين خُدِعوا بهما، ولا يعرفونهما جيدًا".
كلمات الدكتور فضل القاسية أثارت انتباه الكثيرين داخل العالم العربي، حتى في أوساط غالبية أعضاء جماعة الجهاد، من أتباع الظواهري، والذين وقَّعوا في السجون المصرية على وثائق المراجعات، وقطعوا على أنفسهم وعودًا بوقف كفاحهم المسلح.
وفي ديسمبر، أصدر الظواهري شريطًا وبَّخ فيه مساعده السابق، الدكتور فضل، متهمًا إياه بالتحالف مع من أسماه بـ"الخائن المتعطش للدماء"، الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
كما أجاب الظواهري عن ذلك باستطراد أكثر في كتابه "التبرئة"، والذي نشر في مارس، في مائتي صفحة، والذي وصف فيه الدكتور فضل بأنه سجين يريد التودد إلى الأمن المصري، وأنه صاحب المحاولة اليائسة، التي أتت برعاية أمريكية، لمواجهة مد الصحوة الجهادية.
لقد خسرت القاعدة معركتها الفكرية (الأيدلوجية) مع الغرب، في أماكن كثيرة، حتى في لندن، التي استقر فيها العديد من قادة الحركة الجهادية كلاجئين، ولطالما اعتُبرت لندن مقياسًا في غاية الأهمية لاتجاهات الإسلاميين المستقبلية.
ويوجد في بريطانيا من مؤيدي القاعدة ما لا يوجد في غيرها من الدول الغربية، ولأن معظم المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا ذوي أصول باكستانية، فمن السهولة بمكان أن تقوم المليشيات البريطانية بتدريباتها العسكرية في المنطقة القبلية في باكستان، والتي تُعتبر المحور الرئيسي للقاعدة منذ أحداث 11 سبتمبر.
أما الآن، ونظرًا لصعوبة أن ترسل القاعدة حاملي جوازات السفر الشرق أوسطية إلى الولايات المتحدة، فقد حوَّلت المنظمة أنظارها لتجنيد المتشددين من المسلمين في بريطانيا. إذًا فالرابطة بين المليشيات البريطانية، وباكستان، والقاعدة أضحت الخطر الأكبر على الولايات المتحدة.
خلال نصف السنة الماضية، قمنا بالعديد من الرحلات إلى لندن لعقد مقابلات مع المسلحين الذين تركوا القاعدة، والمجاهدين المتقاعدين، وقادة الجالية الإسلامية، وأعضاء أمنيون. معظمهم قالوا لنا، إن التعاطف مع القاعدة تبخر بعد تفجيرات لندن عام 2005.
ومازالت هناك بقية في التقرير، لمن أراد الزيادة
تاريخ النشر: الأربعاء، 11 يونيو، 2008
خلال دقائق معدودة من وصوله إلى بيت الضيوف في قندهار، وجد "نعمان بن عثمان" أسامة بن لادن آتيًا للترحيب به، خاصة وأن الرجل كان قادمًا من رحلة شاقة بدأها من كابل، استغرقت 17 ساعة، على متن إحدى الشاحنات الصغيرة من طراز "تويوتا".
كان ذلك في صيف عام 2000، حينما دُعي "بن عثمان" من قبل بن لادن لحضور مؤتمر للجهاديين من مختلف دول العالم العربي، وهي السابقة الأولى من نوعها منذ انتقال القاعدة إلى أفغانستان في العام 1996.
بن عثمان، سليل إحدى العائلات الارستقراطية، التي تم تهميشها من قبل الرئيس الليبي معمر القذافي، تعرَّف على بن لادن أيام قتال حكومة أفغانستان الشيوعية في أوائل التسعينيات، ووقتها نصَّب "بن عثمان" نفسه قائدًا للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.
وفي الليلة التي وصل فيها "بن عثمان" أعد بن لادن وليمة فارهة، وهو الأمر المُستَغرب على زعيم القاعدة الذي اشتهر باقتصاده في الإنفاق. وفي الوقت الذي كان يتجول فيه بن لادن، ويدير نقاشات خفيفة، كانت آنية الأرز الكبيرة، ولحم الضأن المشوي يقدم لمائتين من المجاهدين، معظمهم جاء من منطقة الشرق الأوسط.
يقول بن عثمان: "لقد كان الأمر إعادة توحيدٍ عظيمٍ للمجاهدين؛ فقد كان معظم قادة الجماعات الجهادية على مستوى العالم العربي حاضرين، بالإضافة إلى كل أفراد القاعدة".
كان بن لادن يسعى لكسب تأييد المزيد من الجماعات المسلحة إلى جانب دعوته إلى "الجهاد العالمي"، والتي أطلقها ضد الولايات المتحدة في العام 1998.
خلال الأيام الخمس التي تلت هذا اللقاء، التقى بن لادن، وكبار مساعديه، بمن فيهم أيمن الظواهري، بالعشرات من قادة المجاهدين؛ الذين جلسوا على الأرض في حلقة، تلفها وسائد كبيرة، من أجل مناقشة مستقبل حركتهم.
وفي هذا يقول بن عثمان لأحد كاتبي المقال، العام الماضي، في أول تصريح له حول هذا اللقاء: "ناقشنا كل شيء، أين نحن ذاهبون، وما هي الدروس التي تعلمناها من السنوات العشرين التي خلت".
ورغم الترحيب الحار، فاجأ بن عثمان مضيفيه بتقييمٍ صريح لأوضاعهم، قال فيه: "إن الحركة الجهادية قد فشلت؛ وذلك لأننا بتنا ننتقل من مصيبة لأخرى، وأضحى وضعنا أشبه بما يحدث في الجزائر، ومَردُّ ذلك أننا لا نحشد الناس حولنا".
وكان بن عثمان يشير للحرب الأهلية التي نشبت في الجزائر من قبل الجهاديين في التسعينيات، والتي خلفت 100 ألف قتيل، وأتت على الدعم الذي كان يتمتع به الجهاديون.
وأخبر "بن عثمان" "بن لادن" أيضًا أن قرار استهداف الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أخذته قيادة القاعدة، سيؤدي فقط إلى إفساد الجهود التي يقوم بها أمثال بن عثمان لإسقاط النظم الديكتاتورية العلمانية في العالم العربي.
وأضاف بن عثمان: "لقد وجهنا إليه طلبًا صريحًا بإيقاف حملته ضد الولايات المتحدة؛ لأنها لن تؤدي لنتيجة. لكنهم ضحكوا حينما أخبرتهم أن أمريكا ستهاجم المنطقة بأسرها إذا شنت القاعدة هجوما آخر ضدها".
يتذكر بن عثمان وعد بن لادن، الذي حاول استرضائه به، والذي قال فيه: "أمامي عملية واحدة، وبعدها سأتوقف، ولا يمكنني التراجع عن هذه العملية الآن؛ لأن ذلك من شأنه أن يفت في عضد المنظمة". وهي إشارة واضحة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وبعد وقوع الهجمات، تقاعد بن عثمان من قيادة الجماعة الإسلامية المقاتلة، وهو الآن يعيش في لندن.
حقيقةً، فعل "بن عثمان" ما هو أكثر من التقاعد؛ ففي يناير من العام 2007، سافر إلى تريبولي سرًا على متن طائرة خاصة، تابعة للحكومة الليبية، في محاولة لإقناع القادة المسجونين من جماعته السابقة، بالدخول في مفاوضات سلام مع النظام الليبي، وقد حالفه النجاح في محاولته تلك.
وفي شهر مايو الماضي، أخبرنا بن عثمان، أن الفريقين أضحوا على بعد خطوات، ربما 3 أشهر، من اتفاق تُنهي بمقتضاه الجماعة الإسلامية المقاتلة عملياتها داخل القطر الليبي رسميًا، وتنأي بنفسها عن فكرة "الجهاد العالمي" التي أطلقتها القاعدة. بالإضافة إلى ذلك ستفند الجماعة مزاعم القاعدة أن المنظمتين لديهما مقاتلين مشتركين.
وفي نوفمبر الماضي، انتقد بن عثمان القاعدة علانية، من خلال خطاب مفتوح وجهه للظواهري، استدعى فيه للأذهان تحذيراته التي أطلقها في قندهار، ودعوته القاعدة إلى إنهاء كل عملياتهم المسلحة داخل الدول العربية، وفي الغرب؛ وذلك لأن المواطنين الغربيين لا ذنب لهم، ويجب ألا يكونوا هدفًا للهجمات المسلحة.
يحكي بن عثمان ذلك، بلهجة إنجليزية صافية، وبحلة أنيقة، وبلحية مهذبة، تجعل من الصعوبة بمكان تخيُّل أن هذا الرجل كان ذات يوم واحدًا من المقاتلين في الصفوف الأمامية في أفغانستان.
ورغم أن انتقاد بن عثمان العلني للقاعدة لم يلق رواجًا في أمريكا، إلا أنه وجد صدى واسعًا في الصحف العربية.
وكان بن عثمان بانتقاده للقاعدة يضم صوته لمد متزايد من الغضب في العالم الإسلامي ضد القاعدة وأذرعها، خاصة وأن معظم ضحايا هجماتهم، بعد أحداث 11 سبتمبر، كانوا من بني جلدتهم الذين يدينون بالإسلام.
وبصفة خاصة كان بن عثمان، بانتقاداته للقاعدة، ينضم إلى نخبة أكبر من العلماء، والمقاتلين السابقين، والمسلحين الذين كانوا يتمتعون بتأثير كبير على قادة القاعدة، والذين هالهم استهداف المدنيين في الغرب، وقتل المسلمين بلا رحمة في البلدان الإسلامية، وتكتيكات القاعدة الوحشية في العراق. كل هذا جعلهم ينقلبون على القاعدة، وقد حدث معظم ذلك خلال العام المنصرم.
بعد أحداث 11 سبتمبر، تفشى في الغرب خوف كبير من وقوع صدام حضارات مرتقب مع العالم الإسلامي، بقيادة بن لادن، الذي أغرى البسطاء من الشباب المسلم بالانضمام لتنظيمه. لكن انتقاد العلماء، والمقاتلين السابقين، في العالمين العربي والإسلامي للقاعدة يقلل من احتمالية نشوب هذا الصدام.
رد فعل القاعدة على هذا النقد لا يمكن توقعه، لأن منتقديها هذه المرة لديهم من الوثائق والأدلة ما يجعل انتقاداتهم مؤلمة.
وفي هذا المعنى يقول بن عثمان، الذي يرى فيما تفعله المقاومة العراقية جهادًا مشروعًا: "النقطة التي يجب أن ننطلق منها هي أن الجهاد مشروع، أبى من أبى. وقد أتت ردود الفعل على انتقاداتي للقاعدة أبعد من الخيال، لقد أثارت غضب المتطرفين بشدة، ربما لأنها هزتهم بقوة".
لماذا انقلب العلماء والمقاتلون الذين كانوا محسوبين في وقت من الأوقات على القاعدة ضد التنظيم؟ لحد بعيد يرجع ذلك إلى عقيدة التكفير التي تبنتها القاعدة وفروعها، والتي ادعوا بموجبها حق تقرير من هو المسلم الحقيقي.
ويعلم منتقدو القاعدة أن تداعيات هذا التكفير تؤدي إلى:
أولا: وسم القاعدة لبعض المسلمين بالردة، ثم قتلهم، وهو الأمر الذي حدثت مقدماته في الجزائر ومصر في التسعينيات، ويحدث الآن بصورة أكثر مأساوية في العراق، حيث تسببت الهجمات التي تقودها القاعدة في مقتل 100 ألف من المدنيين، أو يزيدون. والآن تحولت القاعدة لاستهداف السنة الذين يُعارضون سياستها في بلاد الرافدين، وهي الحقيقة التي لم تغب عن أذهان الغالبية السنية في العالم الإسلامي.
بالإضافة إلى ذلك، قامت القاعدة وأذرعها بقتل آلاف المسلمين من المدنيين، في أكثر من مكان، بعد أحداث 11 سبتمبر؛ فهناك مئات الأفغانيين المدنيين يلقون حتفهم كل عام على يد مسلحي طالبان، وآلاف السعوديين الذين قُتلوا جراء الهجمات الإرهابية منذ العام 2003، وغيرهم من الأردنيين الذي قتلوا في تفجير إحدى فنادق عمان في نوفمبر عام 2005.
حتى المتعاطفين مع القاعدة بدأوا يلاحظون ذلك؛ فهاهو أحد مؤيدي القاعدة يطرح سؤالا على الرجل الثاني في التنظيم، الدكتور أيمن الظواهري، من خلال مبادرة أُطلقت في أبريل على أحد المواقع الالكترونية الجهادية، قال فيه: "معذرة د. الظواهري، من الذي يقتل بمباركتك الأبرياء في بغداد، والمغرب، والجزائر؟.
كل ما سبق ذكره كان سببًا في بزوغ فجر الاعتراف على سماء المسلمين، أن الفيروس الفكري الذي خطط لتفجيرات 11 سبتمبر، وهجمات لندن ومدريد، هو نفسه الفيروس الذي يبُث الفوضى في العالم الإسلامي الآن.
وقبل شهرين من نشر خطاب بن عثمان للظواهري في الصحف العربية، تلقت القاعدة عاصفة من أحد أبطال بن لادن السابقين، وهو العالم السعودي الشيخ سلمان العودة، الذي وجه خطابًا، في الذكرى السادسة لأحداث 11 من سبتمبر، لزعيم تنظيم القاعدة من خلال شاشة محطة "MBC" التليفزيونية الفضائية، ذائعة الصيت في منطقة الشرق الأوسط، قال فيه: "أخي أسامة.. كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء الذين قُتلوا أو شُرِّدوا أو طُرِدوا باسم "القاعدة"؟ أيسرك أن تلقى الله وأنت تحمل عبء هؤلاء على ظهرك؟ وهم يُعَدُّون بمئات الآلاف أو بالملايين؟".
الجدير بالملاحظة في كلام الشيخ العودة أنه لم يكن مجرد إدانة للإرهاب، أو حتى لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل كان إدانة شخصية، لطالما أحجم عنها الكثيرون من علماء العالم الإسلامي.
قابل أحد الكاتبين الشيخ العودة، في فبراير من العام 1990، بمنطقة القصيم شمالي السعودية، وهو الذي نادرًا ما يتحدث مع المراسلين الغربيين. كان يرتدي عباءة سوداء، حين استرجع ذكريات لقائه بأسامة بن لادن، قائلا: "كان رجلا بسيطًا، لا يحمل شهادة علمية شرعية، لكنه كان ذو شخصية جذابة، يجيد التحدث".
وقد أوضح العودة أنه انتقد القاعدة طيلة سنوات عديدة، لكنه لم يوجه انتقاده لأسامة بن لادن شخصيا من قبل"، مضيفًا: معظم العلماء وجهوا انتقادهم للأفعال الإرهابية، وليس لشخص بعينه... وأنا لا أتوقع حدوث تأثير إيجابي على بن لادن نتيجة لكلماتي، بل رسالتي موجهة لأتباعه".
إدانة العودة تنبع أهميتها أيضًا من كون الشيخ يُعتبر واحدًا من الآباء الروحيين لحركة الصحوة الإسلامية، التي انتشرت في المملكة في ثمانينيات القرن الماضي. كما ساهمت خطبه ضد التواجد الأمريكي العسكري في العراق، بعد احتلال صدام حسين الكويت في عام 1990، في تشكيل عداء أسامة بن لادن للولايات المتحدة.
وكما أخبر بن لادن أحدنا في عام 1997 أن سجن الشيخ العودة عام 1994 من قبل النظام السعودي، شجع العراقيين على قتال الاحتلال الأمريكي لبلادهم.
إن الشيخ العودة، باختصار، ليس شخصًا بمقدور القاعدة وسمه بالتعاطف مع الأمريكيين، أو بكونه أداة في يد الحكومة السعودية (في إشارة لهجومة على الاحتلال الأمريكي، وسجنه من قبل النظام السعودي الحاكم).
ورغم عدم استجابة القاعدة لانتقادات العودة، إلا أن مؤسسات البحث حول الإسلام السياسي على الشبكة العنكبوتية تتبعت ما نُشر، على مدار 6 أشهر، على المواقع الإسلامية، وعلى مواقع الجزيرة والعربية، بعد رسالة العودة، ووجدت أن ثلثي التعليقات أتت إيجابية، وقد ساهم أتباع العودة الكثيرين في العالم الإسلامي في نشر رسالته ضد القاعدة.
في العام 2006، على سبيل المثال، خاطب العودة جمعًا يضم 20 ألفًا من شباب المسلمين في إيست إند البريطانية، وكانت نتيجة اللقاء طيبة.
وقد أُثير المزيد من الشكوك حول القاعدة في العالم الإسلامي بعد المراجعات التي قام بها "سيد إمام الشريف"، الأب الروحي لفكر القاعدة، وسحْب تأييده للتنظيم من خلال كتاب أصدره العام الماضي من زنزانته بأحد سجون القاهرة.
ويقتنع الشريف، المشهور بالدكتور فضل، مهندس عقيدة التكفير، بأن المسلمين الذين لا يدعمون الجهاد المسلح، أو يشاركون في الانتخابات يعتبرون كفارًا.
ورغم أن الدكتور فضل لم يدع صراحة بقتل أحد من الناس، فإن أبحاثه التكفيرية التي ترجع للعام 1988، و 1993 وفَّرت غطاءً شرعيًا للجهاديين لاستهداف المدنيين.
كان الدكتور فضل أيضًا مستشارًا للظواهري، وكان مثله طبيبًا جراحًا يتمتع بمهارة عالية، وكان يتحرك في دوائر نضالية أثناء تواجده في كلية الطب بجامعة القاهرة في السبعينيات من القرن الماضي.
وحينما اغتيل الرئيس أنور السادات، عام1981، وسُجِن الظواهري بتهمة ارتباطه بالحادث، فرَّ الدكتور فضل إلى بيشاور الباكستانية، وهناك أدار مجموعة من المجاهدين المرهقين من حرب السوفييت.
وبعد إطلاق سراح الظواهري من السجن، التحق بالدكتور فضل في بيشاور، وهناك أسسا فرعًا جديدًا لحركة الجهاد.
ويذكُر أسامة رشدي، أحد الجهاديين المصريين السابقين، والذي يعيش الآن في بيشاور، أن أهمية الدكتور فضل كان أمرًا محل شك، واصفًا إياه بأنه كان أشبه بـ"زعيم لأحد عصابات المافيا في شيكاغو". بن لادن أيضًا كان يحمل شكوكاً كبيرة بشأن الدكتور فضل، الذي تولى إدارة القاعدة في عام 1993 بالسودان، بعدما جُرح في بن لادن في محاولة اغتياله.
لذلك كان كتاب الدكتور فضل الجديد- والذي نُشر بالتسلسل في أحد الصحف المستقلة المصرية في شهر نوفمبر- بمثابة المفاجأة غير المرحب بها لدى زعيم القاعدة.
ويوضح الدكتور فضل أن الحافز لانتظار الكتاب كان "تلوث الجهاد بانتهاكات شرعية خطيرة خلال السنوات الأخيرة... والآن هناك من قتلوا المئات، من بينهم الأطفال والنساء، والمسلمون وغيرهم، تحت مسمى الجهاد!".
وقد أعترف الدكتور فضل بأن تفجيرات القاعدة التي قادها في مصر والمملكة العربية السعودية وفي غيرهما كانت غير شرعية، معتبرًا الإرهاب بحق المدنيين في الغرب كان خطئًا.
كما تحدث الدكتور فضل عن قادة القاعدة مباشرة، في أحد اللقاءات التي عقدتها معه صحيفة الحياة، قائلا: "الظواهري وأميره بن لادن لا خلاق لهما"، مضيفًا: "لقد تكلمتُ في هذا الشأن بهدف تحذير الشباب منهما، هؤلاء الشباب الذين خُدِعوا بهما، ولا يعرفونهما جيدًا".
كلمات الدكتور فضل القاسية أثارت انتباه الكثيرين داخل العالم العربي، حتى في أوساط غالبية أعضاء جماعة الجهاد، من أتباع الظواهري، والذين وقَّعوا في السجون المصرية على وثائق المراجعات، وقطعوا على أنفسهم وعودًا بوقف كفاحهم المسلح.
وفي ديسمبر، أصدر الظواهري شريطًا وبَّخ فيه مساعده السابق، الدكتور فضل، متهمًا إياه بالتحالف مع من أسماه بـ"الخائن المتعطش للدماء"، الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
كما أجاب الظواهري عن ذلك باستطراد أكثر في كتابه "التبرئة"، والذي نشر في مارس، في مائتي صفحة، والذي وصف فيه الدكتور فضل بأنه سجين يريد التودد إلى الأمن المصري، وأنه صاحب المحاولة اليائسة، التي أتت برعاية أمريكية، لمواجهة مد الصحوة الجهادية.
لقد خسرت القاعدة معركتها الفكرية (الأيدلوجية) مع الغرب، في أماكن كثيرة، حتى في لندن، التي استقر فيها العديد من قادة الحركة الجهادية كلاجئين، ولطالما اعتُبرت لندن مقياسًا في غاية الأهمية لاتجاهات الإسلاميين المستقبلية.
ويوجد في بريطانيا من مؤيدي القاعدة ما لا يوجد في غيرها من الدول الغربية، ولأن معظم المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا ذوي أصول باكستانية، فمن السهولة بمكان أن تقوم المليشيات البريطانية بتدريباتها العسكرية في المنطقة القبلية في باكستان، والتي تُعتبر المحور الرئيسي للقاعدة منذ أحداث 11 سبتمبر.
أما الآن، ونظرًا لصعوبة أن ترسل القاعدة حاملي جوازات السفر الشرق أوسطية إلى الولايات المتحدة، فقد حوَّلت المنظمة أنظارها لتجنيد المتشددين من المسلمين في بريطانيا. إذًا فالرابطة بين المليشيات البريطانية، وباكستان، والقاعدة أضحت الخطر الأكبر على الولايات المتحدة.
خلال نصف السنة الماضية، قمنا بالعديد من الرحلات إلى لندن لعقد مقابلات مع المسلحين الذين تركوا القاعدة، والمجاهدين المتقاعدين، وقادة الجالية الإسلامية، وأعضاء أمنيون. معظمهم قالوا لنا، إن التعاطف مع القاعدة تبخر بعد تفجيرات لندن عام 2005.
ومازالت هناك بقية في التقرير، لمن أراد الزيادة
0 comments:
Post a Comment