ترجمة/ علاء البشبيشي
وسط هذه الهزيمة المخزية التي تعيشها قوات الاحتلال في أفغانستان، ما زالت هناك أصوات للاحتلال تخرج بتصريحات براقة، وترفع شعارات النصر الخاوية، التي تثبت الوقائع كذبها يوما بعد يوم. إنها التصريحات التي استهجنها "امين سايكال"، رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة الاسترالية الوطنية، معتبراً تصريحات (كرزاي – بوش) المشتركة في السابع من أغسطس الماضي مضللة، ومنافية للواقع. حيث عرض كرزاي، وبعد 7 أشهر فقط من تصريحاته البطولية بواشنطن، على حركة طالبان تفاوضاً مباشراً، بل وأعلن أنه مستعد للجلوس وجها لوجه مع "الملا عمر" زعيم طالبان، و"قلب الدين حكمتيار."الأمر الذي اعتبره "سايكال" مجرد "تصريح يائس".
وتؤكد أن طالبان نجحت، رغم كل ادعاءات الناتو المتوالية بهزيمتها، في توسيع مساحة مؤيديها، واستعادة بناء قدرتها الميدانية والإعلامية.وهي في ذلك تستفيد من اليد المقيدة لحكومة كرزاي ، وعدم قدرتها على التأثير، وربما يفيدها أكثر فشل قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها في تحقيق أدنى تغيير في حياة الغالبية البائسة من الشعب الأفغاني. أضف إلى ذلك ما أعلن عنه "سعيد إبرار أغا"، مدير مديرية التعليم بإقليم "هلمند"، هذا الشهر، بأن أكثر من 30 ألف طالب ممن انتظموا في المدارس في السنة الماضية قد غابوا عن مدارسهم هذا العام.
هذا الفشل المحقق للحكومة الأفغانية، وقوات الاحتلال،على المستويين الميداني والاجتماعي، أثمر فراغاً سياسياً وأمنياً نجحت طالبان ومؤيديها في استغلاله خير استغلال، مؤكدة وجودها بعدد من الهجمات والكمائن التي تستهدف مختلف القوات المحاربة في أفغانستان.
وتشدد الصحيفة على أن كرزاي وحلفائه، خاصة الأمريكيين، يعيشون الآن فوق صفيح أشد سخونة مما كانوا يتوقعون। خاصة وأنهم ليسوا في موقف يخولهم لنشر عدد كبير من القوات الجديدة في المنطقة. وهذا ما دفع كرزاي إلى البحث عن مخرج من هذا المستنقع الذي وجد نفسه داخله، وإن كان هذا المخرج سيهدر ماء وجهه، هو وحلفائه. وهو بالفعل لم يأخذ هذا القرار السياسي الخطير بنفسه، فهو رئيس لا يملك تلك السلطات، بل أعانه عليه قوم آخرون، على رأسهم بوش وخليل زاد، اللذين التقاهما مؤخراً في نيويورك. وهو الأمر الذي لم يخفه كرزاي نفسه حين قال معترفاً أمام الصحفيين من قصره الرئاسي، أنه وجد تأييدا للفكرة من جانب الزعيمين الأمريكي "بوش"، والأممي "مون".ليس التفاوض وفقط هو ما عرضه كرزاي، بل أيضاً لوح بمناصب حكومية لأعضاء في طالبان "إذا تخلوا عن العنف لأنهم أفغان وأبناء هذا الوطن"، وهنا يتساءل المحللون "أين العصا التي طالما لوح بها في وجه طالبان؟. لقد كسرت بالتأكيد في إحدى هجمات طالبان!"
صراخ تحت وطأة الهزيمة
إنها الهزيمة التي ألجأت وزير الدفاع الأفغاني "عبد الرحيم وردك" إلى طلب المزيد لمواجهة طالبان، بل جعلته يجأر مشتكياً من أن هجمات طالبان زادت بنسبة 50% هذا العام 2007، معترفاً بعجز القوات الأفغانية في التصدي لها. إنها القوات الأفغانية العاجزة، التي أشاد بها القائد الأعلى لقوات الناتو،الجنرال الأمريكي "بانتز كرادوك"، في تصريح نقله الموقع الرسمي للجيش الأمريكي على الشبكة العنكبوتية، وصفاً إياها بأنها " تبقى مفتاح الاستقرار في أفغانستان".
وبعد ست سنوات من الحرب على أفغانستان يعترف "كرادول" اليوم بأن الموقف في المناطق الجنوبية والشرقية ما زال معقداً. إنه نفس الشعور بالفشل الذي جعل وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ينتقد بشدة حلفائه في الناتو لـ"تقاعسهم".
وكان آخر تلك الاعترافات ماقاله اللورد "بادى اشدون" المفوض السامي السابق للأمم المتحدة، والممثل الخاص للاتحاد الأوربي للبوسنة والهرسك، منذ أيام "اعتقد أننا نخسر الآن في أفغانستان، ولقد خسرنا في اعتقادي والنجاح الآن غير محتمل"، ليس ذلك وفقط بل يزيد "اشدون" من الشعر بيتاً حين يقول : " اعتقد أن الخسارة في أفغانستان أسوأ من الخسارة في العراق".
شماعات كثيرة لتعليق الفشل
حتى الشماعة التي كانوا يعلقون عليها هذا الفشل المخجل، سقطت. فبعد إدانات كثيرة لطهران بتهريب الأسلحة لطالبان، أعلنت أفغانستان أنها لا تملك أي أدلة على أن حكومة إيران هي المسئولة عن ذلك ، بل أثنى عليها وزير الخارجية الأفغاني "رانجين دادفار سبانتا" خلال زيارة لمدينة "هرات" الغربية الحدودية "إيران جارتنا وصديقتنا ولعبت دورا كبيرا في إعادة إعمار أفغانستان".
وربما كان الرسميون يبحثون عن شماعة أخرى لتعليق فشلهم عليها حين أعلنوا في تصريح نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن " قوات الناتو في أفغانستان تفتقر إلى القوات والاستراتيجيات الضرورية لهزيمة طالبان والقاعدة". إنه اعتراف آخر من الخطوط الأمامية بالفشل ليس فقط على المستوى الميداني، بل أيضاً على مستوى وضع الخطط والاستراتيجيات.
وربما كان من المضحك ما نشرته صحيفة "ذي ستار" الكندية، حول نقل الناتو حربه مع طالبان من الميدان إلى صفحات "يو تيوب"، حيث نشر تسجيل لجندي من قوات الناتو يصيب أحد مقاتلي طالبان في كتفه، قبل أن يبدأ الأخير في فتح النار علي الجندي، ثم يتلاشى كالبخار. وربما يكون الأكثر فكاهة ما أوردته نفس الصحيفة تحت عنوان " الأفغان يرون تقدما لا نراه"، وضعت فيه كلمات في أفواه الشعب الأفغاني لم يقلها، وجعلت تبني قصوراً من رمالٍ حول جسور تبنى في أفغانستان، وجرحى ينقلهم الناتو للمستشفيات العسكرية، وقادة طالبان الذين يتم أسرهم ، أو قتلهم يوماً بعد يوم. وهي بذلك تغطي الحقائق، فإذا ما سلمنا جدلاً بتلك الإنجازات، يبقى سؤال هام ( من هدم الجسور، وقصف المدنيين، ومن يحارب الآن ضد الناتو إذا كان قادة طالبان يتم أسرهم وقتلهم؟).
ويبدوا أن قادة الناتو لا يكتفون من شماعات الفشل، فنجدهم يخرجون ليقولوا إن النصر مستحيل ما دام لطالبان منفذا يستطيعون اللجوء إليه كلما ضيق عليهم الخناق، في إشارة للحدود مع باكيتان.
الملا عمر... والإطاحة بقرضاي
ويؤكد موقف طالبان القوي في هذه المعادلة، دعوة "الملا محمد عمر" زعيم حركة طالبان الأفغانية الدول المجاورة لأفغانستان إلى مساعدة حركته في الإطاحة بالرئيس الأفغاني "حامد قرضاي" وطرد القوات الأجنبية وقوات التحالف خارج البلاد. قائلاً :"لابد وأن يساعدنا جيراننا على إخراج القوات الغربية من أفغانستان مثلما ساعدونا أيام الغزو السوفيتي.. ولابد أن يوقفوا كل أشكال الدعم للقوات التي تمثل خطراً على المنطقة ".
إنها الكلمات التي تعبر عن " موقف قوة " تبوأته طالبان حالياً، بعد أن اعترف جنرالات حلف شمال الأطلنطي " الناتو " الذين يقودون الحرب ضد الحركة أنهم أمام قيادة عسكرية قادرة على تحدي "صفوة القوات الغربية".
زعيم حركة طالبان الذي يقول المقربون منه إن شخصيته تتشكل من مزيج غريب من الصفات فهو عنيد وجريء إلى درجة تقترب من التهور لكنه يفتقد إلى الكاريزما الشخصية والقدرة الخطابية ورغم صغر سنه فهو يتمتع بقدرات عسكرية متميزة، وقد فقد إحدى عينيه أثناء قتاله ضد القوات السوفيتية عام 1979 . استطاع "عمر" أن يحير عقول الجيش الأمريكي ،ورجال المخابرات الأمريكية، والأمن الأفغاني الذين لم يتمكنوا، فرادى أو مجتمعين، حتى الآن من الإيقاع به، لدرجة أن البعض يطلق عليه لقب "الشبح"، اللقب الذي يدعمه الغموض الذي يحيط به وندرة الصور التي التقطت له.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتحرك الولايات المتحدة بأساطيلها البحرية وقواتها البرية وطائراتها المقاتلة ضد طالبان ودخولها أفغانستان عام 2001 لم ينزعج الملا عمر من ذلك المارد الأمريكي فقد شارك من قبل في عدة معارك ضد القوات السوفيتية.
وبعد أن نجح " الجنرالات الملالي " في حركة طالبان تأكيد قدرتهم على المواجهة العسكرية وفي الوقت نفسه الابتعاد قليلاً عن أجندة تنظيم القاعدة حيث تواترت تصريحات قادة طالبان بشأن رغبتهم في تحرير بلادهم واستعدادهم للتفاوض لم يجحد الأمريكيون مفرًا من القبول الضمني للعرض.
وقد حاولت الولايات المتحدة التقرب من الملا عمر من خلال رسالة مررتها الإدارة الأمريكية عبر باكستان تفيد بأن واشنطن سوف تقيم علاقات دبلوماسية معه وتضمن اعتراف الأمم المتحدة به ولكل المقاتلين الآخرين الذين سيقومون بالعمل مع الولايات المتحدة في حالة قيامهم بتسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلا أن عمر رفض عرض الولايات المتحدة وقال " لن سلم مسلم لغير مسلم " خاصة أن أسامة بن لادن زميله ورفيقه في الكفاح المسلح الذي استمر لأكثر من عشر سنوات.
ويقول عدد من المحللين أن الروابط بين الرجلين تزداد عمقًا يومًا بعد يوم حيث تشير تقارير مخابراتية إلى أن الملا عمر عام 1954 تزوج ابنة الكبرى لأسامة بن لادن وابن "ابن لادن" تزوج من إحدى بنات "الملا عمر" كزوجة رابعة له.
ومن اجل إشاعة الأمن والاستقرار بالبلاد واعترافًا بقدرة " الزعيم الروحي " لقوات طالبان على تحريكهم وشن هجمات عنيفة وشرسة ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف حاول الرئيس قرضاي أن يمد غصن زيتون إلى زعيم طالبان قائلا " أنه سيكون سعيدًا في حالة قيام الملا عمر بالاتصال به ومعه رؤية جديدة للمصالحة".
وكانت زعامة الملا محمد عمر في حركة طالبان ولدت وسط شعور بالإحباط واليأس أججته حرب ضروس بين فصائل المجاهدين الذين هزموا الاحتلال السوفيتي قبل أن ينقلبوا على أنفسهم في عام 1992
ولد زعيم طالبان وهو من البشتون بإقليم قندهار وبعد وفاة والده الذي كان يعمل فلاحًا أصبح عمر الضخم الجسم ذو اللحية الكثيفة شيخ القرية قبل الانضمام إلى المجاهدين وقتال الاحتلال السوفيتي وكان لا يزال وقتها طالبًا لم يكمل دراسته.
ويتساءل العديد من المراقبين هل سيتمكن الملا عمر من الصمود واستكمال كفاحه المسلح حتى رحيل القوات الأجنبية من البلاد أم ستتمكن القوات الأمريكية وقوات التحالف من الإيقاع به بعد احتمالية الوشاية بزميله "الملا داد الله" وقتله على أيدي القوات الأمريكية؟