Monday, August 4, 2008

روسيا وإيران ...من يكون فرس الرهان؟


ترجمة/ علاء البشبيشي

كثيرة هي الأسئلة المطروحة حول العلاقة بين روسيا وإيران، ومختلفة هي الرؤى بشأن هذه الصداقة، وموحدة هي التساؤلات التي اشترك العديدون في طرحها، واختلف المحللون في الإجابة عليها، أشهر هذه التساؤلات كان ( ما مدى صداقة روسيا وإيران؟).
ولمَّا كانت زيارة بوتين الأخيرة لإيران، منذ فترة، هي الأولى التي يقوم بها زعيم روسي إلى طهران منذ زيارة "جوزيف ستالين" في العام 1943, ولأنها جاءت في توقيت توجه فيه أمريكا سهامها إلى طهران، كان من الضروري سبر غور هذا الحدث، ومعرفة حدود الصداقة بين موسكو وطهران، ومدى تأثير ذلك في مسار التهديد الدولي، الذي تقوده واشنطن، ضد إيران النووية

زيارة وتأييد ... تاريخيين

" فما الذي رآه قادة إيران حين نظروا في عيني فلاديمير بوتين؟ لقد رأوْا فيه الرجل الذي ينبغي وضع أيديهم في يده" كان هذا ما استفتحت به مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرها حول الموضوع، حيث قالت: " في الوقت الذي كانت أنظار العالم تترقب نوايا روسيا بشأن برنامج إيران النووي، هبط الرئيس الروسي في العاصمة طهران، في مشهد ظهر فيه وكأنه يمد يد العون إلى البرنامج النووي، حين قال: " إن الإيرانيين يعملون بالاشتراك مع الوكالات النووية الروسية، وهدفهم الرئيسي يتركز على أغراض سلمية".
وأشارت المجلة أن روسيا لطالما وُجه إليها النقد لمساعدتها إيران في مجالات الطاقة النووية. وفي الوقت الذي تصر طهران فيه على القول بأنها تطورها لأغراض سلمية، تزعم أمريكا وأوروبا أن هدف طهران هو امتلاك أسلحة نووية، لاستخدامها عسكريًا.
وتقول الإيكونوميست: إن روسيا - وفي بعض الأحيان الصين - كان لها تاريخ طويل من تخفيف العقوبات على إيران في مجلس الأمن. صحيح أن قرارين أمميين بعقوبات على إيران تم تمريرهما، لكنهما احتويا على عقوبات طفيفة، لدرجة أنها قوبلت بسخرية من طهران، ولم تعرها أي انتباه.
وقد اعتبرت الصحيفة الأنباء التي وردت حول خطة اغتيال بوتين، مجرد مزحة، أو تلفيقًا، حين قالت: " لقد أراد السيد بوتين أن يبدوا حازمًا في تلك الرحلة، لذلك كانت الأنباء حول مؤامرة اغتياله حين وصوله إيران. لقد سرب الأمن الروسي للصحفيين الروس نبأ تلك المؤامرة، حتى قبل قيام بوتين برحلته، لكن تفاصيلاً قليلة تمت إذاعتها علنًا. لكن البعض بدا متشككًا في صدقها".
ونقلت المجلة عن الخبير السياسي، و مدير مركز الأبحاث الاستراتيجية في موسكو "اندري بيونتكوفسكي"، تأييده لأطروحة أن تكون المخابرات السرية الروسية " هي صاحبة ما يدعى بخطة الاغتيال، والتي تطرح سنويًا مرة أو مرتين، حتى يظهر بوتين بمظهر القوة وهو ذاهب لطهران، متحديًا خطط اغتياله


صفقة المصالح


لكن المجلة ترى أن رحلة بوتين الأخيرة كان يحكمها حسابات المصالح. فروسيا تريد إعادة التأكيد على استقلالية قوتها، وهي في هذا الإطار ترى إيران مفيدة في ذلك إفادة مزدوجة، ذلك أن الصفقة النووية معها مربحة ماديًا، فضلاً عن كون إيران شغل أمريكا الشاغل، لذلك تضغط روسيا لتحصيل مستحقاتها المتأخرة عند إيران، وإذا ما حدث فسيتم استئناف العمل في محطة بوشهر الإيرانية النووية وفق الجدول الزمني المقرر، وهذا ما تعهد به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل.
لكن على الجانب الآخر، نجد أن روسيا لا تريد أن ترى إيران، جارتها القريبة، تطور سلاحًا نوويًا. خاصة وأن روسيا لها حربها الخاصة في الإقليم المسلم "الشيشان".


ضغوط أوروبية


قد تمارس الدول الغربية ضغوطًا على روسيا لجذبها إلى صفها. فتحالف أوروبي قوامه 27 دولة، بالإضافة لأمريكا، قد يدفع موسكو - لكن برفق - إلى اتخاذ موقف أقل تأييدًا لإيران، وهكذا سيكون الحال مع الصين.
فقبل زيارته لطهران، التقى بوتين المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ، للنقاش حول قضية إيران وسط موضوعات أخرى.
من جانبها قال ميركل في لقاء صحفي : " لا يمكننا إغلاق أعيننا عن الأخطار"، في إشارة لإيران نووية. لكنها في الوقت نفسه شددت على ضرورة حل المشكلة بالطرق الدبلوماسية.
أما وزير الخارجية الفرنسي "برنارد كوشنير" ، فيلعب على الوتر نفسه، لذلك يقول: " لقد مرت سنوات عديدة على مواجهة العالم لمعضلة كبرى كمعضلة البرنامج النووي الإيراني".


وقلوبهم شتى


وتعود الإيكونوميست لتؤكد أن الغرب وإن ظهر متماسكًا بشأن رفضه لتطوير إيران لقدراتها النووية، إلا أن قلوب تحالفاته تظل شتى فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الأزمة، ويظل الاختيار المزمن مطروحًا (حوارات دبلوماسية.. أم ضربة عسكرية)، ليجعلهم منقسمين على أنفسهم، حتى في مواطن الاتفاق. فقد التقى وزراء خارجية الدول الأوروبية في محاولة منهم للخروج بمسار موحد للتعامل مع إيران. هذا المعسكر الجديد تتقدمه فرنسا التي تريد عقوبات أوروبية عاجلة وفاعلة ضد إيران، لكن ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وروسيا يؤيدون فكرة " لا عقوبات جديدة تستبق جهود الأمم المتحدة التفاوضية مع إيران". أما أمريكا فتحاول جمع دعم لعقوباتها من دول عديدة، ومن خلال قوانين تمنع تدفق استثمارات الشركات الأوروبية إلى إيران.

فرس الرهان.. من يكون؟!

ورغم كل ما سبق ذكره من ضغوط أوروبية ترى الإيكونوميست أن روسيا إذا ما اختارت أن تبذل جهدًا أكبر فسيكون لها التأثير الأبلغ على إيران. "لكن السيد بوتين، على الأقل حتى الآن، لا يبدوا مهتمًا بهذا الأمر"، وهو الأمر الذي يُبقي روسيا فرس رهان إيران الأمثل في مواجهة الموجة الغربية.
وربما يقوي هذا الطرح طريقة تناول الصحف الروسية لهذا اللقاء بين الزعيمين الروسي والإيراني، فقد اختارت وكالة أنباء "نوفوسوتي" الروسية عنوان "قمة المشاكل المؤجلة" لهذا اللقاء، ثم صدّرت الخبر بأشد تصريحات بوتين حفاوة بتلك الزيارة :" لقد سعدت بتلك الزيارة التاريخية لإيران، وهي الأولى لزعيم روسي منذ العام 1943".
مردفة بمقولته الحميمية لنجاد قبيل اجتماعهما الثنائي في القصر الامبراطوري القديم "ساداباد": " أنا سعيد بما أنجزناه، وراضٍ بالنتائج التي وصلنا إليها". وختمت الوكالة الروسية تقريرها بنظرة أكثر تفاؤلاً، وبتوقع تعاون خماسي بين دول بحر قزوين.
وكذلك فعلت وكالة أنباء "ايتار تاس" الروسية، حين سلطت الأضواء على وجهات الالتقاء في تقريرها الذي جاء تحت عنوان: "بيان مشترك لبوتين ونجاد"، والذي انتقت له أكثر صور الزعيمين قربًا، صورة لهما مبتسمين وهما يلوحان للحاضرين.
وأخذت الوكالة تعدد نقاط الاتفاق التي خرج بها الطرفان خلال قمة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، في طرح وردي للعلاقات بين البلدين، مؤكدة على موقف بوتين الرافض لاستخدام القوة ضد دول الجوار. ولم لا؟ وروسيا تريد لأجوارها أن تبقى خارج النفوذ الأمريكي.
هذه الصورة المؤيدة لموقف إيران، لم تحلوا لـوكالة الأسوشييتد برس، التي سارعت لتبرز أوجه اختلاف في الرؤى خرجت بها القمة الخماسية في طهران، فأشارت إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم البحر بين الدول الخمس المطلة عليه. لكن تلك الرؤية المتشائمة لم تعكر صفو الحميمية التي انتهى بها اللقاء.


نظرة تاريخية.. أم دق إسفين؟!


وتأبى الإذاعة الأمريكية "راديو فري يوروب - راديو ليبرت" إلا أن تدلي بدلوها في هذا الموضوع، فتنشر مقالاً عنونته بـ "روسيا وإيران: الغرباء يلتقون في طهران" رأت فيه أن (البراجماتية) الروسية هي التي دفعتها لتلك الزيارة بعد طول غياب عن تراب طهران، في إشارة إلى أن روسيا مستفيدة من تلك الزيارة بقدر إيران.
وتقول الإذاعة: إن روسيا ظلت خلال السنوات الماضية، الشريك الرئيسي لإيران على المستوى الدولي، وأكد ذلك أحمدي نجاد في لقاء له مع التليفزيون الروسي في مستهل لقاءه بوتين، حين قال: " إن البلدين يعتبران حلفاء بالفطرة، جغرافيًا، وسياسيًا، وثقافيًا".
لكن الإذاعة ترى في التاريخ ما يكذب ذلك التحالف، بل تقول: "إنه يؤكد أن روسيا وإيران طالما كانا خصمين".
وفي محاولة تبدوا وكأنها "دق إسفين الماضي بين حلفاء الحاضر" أشارت إلى أنه في القرن الـ19 حدث اشتباك مسلح بين الجارتين. وفي القرن الـ20 قام الجنود الروس باحتلال أجزاء من شمال إيران. واستمرت هكذا تذكر أحداث مشابهة في الحرب العالمية الثانية، بمشاركة بريطانيا. وفي الثمانينيات من القرن العشرين حيث ساندت روسيا صدام حسين في حربة ضد إيران. ومؤخرًا في نهاية العام الماضي، حينما وافقت موسكو على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1737 القاضي بفرض عقوبات دولية على طهران.
لكنها تعود لتؤكد صحة نظرية المصالح في التعامل مع البلدين، مشيرة إلى أن الهم المشترك في محاربة سياسة القطب الواحد العالمية، والتي تقودها أمريكا في الوقت الراهن، هو فرس الرهان في العلاقة بين البلدين في تلك المرحلة.

0 comments: