Monday, August 4, 2008

!جرائم الشرف.. حينما تختلط الأوراق


ترجمة/ علاء البشبيشي

انتشر مؤخرًا ما يطلق عليه "جرائم الشرف" في مناطق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا؛ حيث يتم الاعتداء على النساء وربما قتْلهن من قبل أقاربهن؛ بسبب وقوعهن في جريمة تعتبرها العائلة ملوثة لسمعتها، ولا يمحوها إلا الدم.
وقد تناولت صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" هذه الظاهرة في الغرب، موضحة أنها "جرائم يقوم بها الأب، في أغلب الأحيان، إلا أن الإخوة الذكور والأعمام وربما الأقارب من النساء يكون لهم من المشاركة في الجريمة نصيب".
حقائق وأرقام
وبالرغم من صعوبة إحاطة الإحصائيات بتلك الجرائم - نظرًا لطبيعتها الخاصة، وحقيقة كون القليل جدًا منها هو ما يتم الإبلاغ عنه بالفعل- فقد أظهرت الإحصائيات الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 5 آلاف امرأة يتعرضن للقتل بهذه الطريقة على مستوى العالم سنويًا.
وتؤكد الصحيفة أن تلك الإحصائية بالتأكيد لا تعكس الأعداد الحقيقية لضحايا هذه الجرائم؛ فالتقارير الواردة من تركيا والأردن وباكستان وفلسطين وغيرها من المناطق المحلية، يتم تشذيبها بمعدلات مخيفة، أضف إلى ذلك ألمانيا والسويد وأجزاء أخرى من أوروبا، فضلاً عن المملكة المتحدة وكندا وأمريكا، كلها تؤكد أن المرأة المسلمة في الغرب أصبحت أكثر عرضة لتلك الجرائم؛ ربما كان ذلك مرده إلى أن "المساس بشرف المرأة المسلمة يشكل التعدي الأكبر على التقاليد الدينية والقبلية التي تنتسب إليها معظم هذه العائلات المهاجرة".
لكن الصحيفة ربما تكون بالغت قليلاً حين توسعت في سرد الأفعال التي تجعل المرأة عُرضة لمثل هذا النوع من الجرائم، حيث تقول: إنها تشمل "رفض ارتداء الحجاب، أو أن يكون لديها صديقة غير مسلمة، أو خِدنًا ذكرًا، أيًا كانت ديانته، أو أن تكون ذات علاقات جنسية، أو ترفض الزوج الذي ارتضته العائلة، وأكثر من ذلك، أن تحاكي الثقافة الغربية".
وتقف المرأة المسلمة في الغرب حائرة بين عالمين مختلفين؛ فهي تحاول الموازنة بين احتياجات النجاح، وفي بعض الأحيان تسعى إلى الموائمة بين الثقافات المتناقضة، وفي كل الحالات تدفع هي الثمن الأكبر.


!من المسئول؟


وقد أعادت جريمتان حدثتا في أمريكا وكندا إلى الأذهان هذه القضية، ربما بصورة أكثر قربًا هذه المرة؛ أولاهما راحت ضحيتها الأختان المراهقتان سارة وأمينة، من ولاية تكساس الأمريكية، حيث وجدتا مقتولتين في إحدى سيارات الأجرة، بعدما قاما باتصال هاتفي للشرطة طلبًا للنجدة.
وقدأصدرت الشرطة مذكرة اعتقال فورية بحق والد المراهقتين، وهو سائق مصري يدعى ياسر عبد السيد، متزوج بنصرانية.
وتقص الصحيفة الحكاية من البداية فتقول: "في عيد رأس السنة الحالي، هربت زوجته "باتريشا"، من الولاية بصحبة بنتيْها، إلى ولاية "أوكلا"، وعشن تحت اسم مستعار.
وبحسب ما أوردته صحيفة "دالاس مورنينج نيوز" فقد كان عنف الزوج ياسر عبد السيد، وسلوكه المتسلط، بسبب تخوفه من أن "تُفسد الحضارة الغربية سلوك بنتيْه"، وربما كانت الصحيفة تحاول تفنيد مخاوف الأب حين أشارت إلى أن "البنتيْن كانتا مثالاً للبنات الأمريكيات؛ فقد حصلت أمينة على منحة دراسية من الجامعة بقيمة 20 ألف دولار، فيما كانت سارة تخطط للالتحاق بكلية الصيدلة، كما أن صورة الأختين توحي بأنهما كانتا مفعمتان بالحيوية والجاذبية، الأمر الذي أثار الشكوك في صدر والدهما، وقد كان ظهور أصدقاء ذكور في حياة الفتاتين بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير".


دوافع الجريمة


وتكمل الصحيفة سردها للقصة من وجهة نظرها، التي بدت إما متحاملة أو جاهلة بطبيعة الحياة في البلاد العربية والإسلامية، حيث تقول: "ورغم نفي الزوجة أن تكون دوافع عبد السيد دينية أو ثقافية، وشهادة الأخ "إسلام" بأنها لم تكن حتى بدافع الانتقام للشرف، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى العكس. لكن في نفس الوقت أفادت التقارير الواردة أن العائلة لم تكن متدينة، لكن الزوج كان متأثرًا بالتقاليد الشرق أوسطية، والتي كان من بينها زواج ذي الثلاثين عامًا من المراهقة التي لم تتعدى، بعدُ سن الخامسة عشرة، والتهديد باصطحاب إحدى بنتيه إلى مصر، في محاولة منه للتفريق بينها وبين صديقها غير المسلم، ومن ثم قتلها هناك، حيث من الممكن أن تقتل ابنتك إذا ماجلبت العار للعائلة ولوثت سمعتها. بالإضافة إلى تهديد الأب في مناسبات عديدة بقتل بنتيه؛ بسبب الجدل الدائر حول حياتهما الاجتماعية".
لكن العمة "جيل جارتريل"، كان لها رأي آخر؛ حيث قالت بوضوح وإيجاز: "لقد كانت جريمة شرف".
جريمة أخرى
جريمة مماثلة شهدتها ولاية أونتاريو الكندية في ديسمبر الماضي، وكانت ضحيتها فتاة في سن سابقتيها سارة وأمينة، تدعى أقصى بارفيز.
وتصف الصحيفة أقصى بأنها كانت فتاة "ذات شخصية جذابة، ومحبوبة، أغضب أسلوب حياتها الغربي والدها الباكستاني، محمد بارفيز".
وقد كانت الفتاة ترفض ارتداء الحجاب، وكانت في بعض الأوقات تغير ملبسها كلما ذهبت للمدرسة، وكثيرًا ما كانت تتعارك مع والدها، وقد تركت البيت لمدة أسبوع، لكنها عادت لتلقى حتفها مخنوقة بيد والدها.
وقد صعدت روحها إلى بارئها بعد نقلها إلى المستشفى، وقد اتُّهم والدها -الذي بادر بنفسه بالاتصال بالشرطة- بقتلها، بينما وجه لأخيها "وقاص"، البالغ من العمر 26 عامًا، تهمة إعاقة الشرطة عن تأدية عملها.
وبدورها نقلت صحيفة "ناشيونال بوست" عن أحد أصدقاء الفتاة قوله: "لقد تلقت تهديدات من قبل عائلتها المتزمتة من قبل". فيما قال آخر، ويدعى "إيبوني ميتشيل": إن آراء أقصى كانت متناقضة مع عائلتها فيما يتعلق بالحجاب. لقد كانت تريد أن تلبس كما نلبس، ورغم أنها ارتدت اللباس الإسلامي الكامل في العام الماضي، إلا أنها تحولت للشكل الغربي الكامل هذا العام، فقد كانت تريد أن تبدوا متوائمة مع كل شيء حولها. وكما قال صديق آخر، ويدعى "كريستا جابهيت"، لطالما أرادت أقصى أن تكون نفسها، بصراحة، لقد أرادت أن تظهر جمالها"، لكن هذه الرغبة كانت لها تداعياتها الخطيرة، بالنسبة لفتاة مسلمة صغيرة السن تعيش في الغرب.


إدانة إسلامية


وبعد جنازة "أقصى"، قام المجلس الكندي، ومجلس العلاقات الإسلامة الأمريكية (كير) بتنظيم فعالية ضد العنف بمقر المركز المحلي لمسيسوجا. لكن ذلك لم يشفع للمنظمتين الإسلاميتين عند الصحيفة الأمريكية التي رأت أن المنظمات الإسلامية تعتبر جزْءًا من المشكلة، وليست الحل؛ لأنهم يعملون على تطبيق أوسع لأحكام الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ويسعون لتكميم الأفواه باتهام المعارضين لهم بالإسلاموفوبيا (العداء للإسلام). ولم تكتفي الصحيفة بذلك لكنها قالت: "إن أجندة مجلس العلاقات الإسلامية-الأمريكية تعمل ضد مصلحة حقوق المرأة المسلمة".
من جانبها، قالت رئيسة جمعية الخدمات الإسلامية "شاهينة صديق": "إن مقتل أقصى بارفيز كان نتيجة لظاهرة العنف الأسري، التي تنتشر في أوساط المجتمع الكندي، وليس لها علاقة بلون أو عقيدة".
كما قال الشيخ علاء السيد، (إمام الجمعية الإسلامية في ميسيسوجا، بأمريكا الشمالية): إن "القضية الأهم في تلك الحادثة، أنها جريمة عنف أسري".
ورغم اعتدال وعقلانية هذه التصريحات، إلا أنها لم ترق للصحيفة الأمريكية، التي قالت: "بدلاً من أن تستغل الهيئات الإسلامية، التي يقال عنها أنها معتدلة، تلك الفرصة لإدانة "جرائم الشرف"، قللت من دور الدين والثقافة في الجريمة".
لكنها أشادت بتصريحات إرشاد مانجي، الذي وصفته بمصلح مسلمي كندا، التي قال فيها: "على المسلمين المعتدلين ألا يقفزوا إلى النتائج، فمن يدري ماالذي أصاب عائلتها".
وكذلك تصريحات السيد "طارق"، (مؤسس برلمان مسلمي كندا)، التي وصف فيها حادثة مقتل "أقصى" بالـ "مسيئة للإسلام"، مضيفًا: "برأيي، كانت تلك جريمة شرف".


هجوم إعلامي


ثم جاء تعليق الصحيفة، بعدما قسّمت المعلقين من المنظمات الإسلامية لفريقين، بما يوافق رؤيتها، حيث تقول: "حتى ذلك الحين الذي يصير فيه انتقاد الذات هو طبيعة المجتمع المسلم، فإن إصلاحًا ضروريًا سيبقى أمرًا بعيد المنال؛ وذلك معناه مناقشة جذور جرائم الشرف بصراحة ووضوح، ومعاقبة أي عنف ضد المرأة المسلمة".
وفي إشارة تهكمية، أردفت الصحيفة قائلة: "القرآن يوجه الرجال إلى ضرب زوجاتهن غير المطيعات، وأن يهجروهن في المضاجع"، ولفقت ما جاء في القرآن بتوصيات، قالت إنها لأحد رؤساء القبائل الأردنيين، ويدعى "طراد فايز"، حيث ينصح أتباعه بقوله: "المرأة كشجرة الزيتون، حين تصيب دودة أحد فروعها، يجب قطعه ليبقى المجتمع نظيفًا طاهرًا"، ولا شك أن الصحيفة حين ذيلت توجيهات القرآن للتعامل مع المرأة الناشز، بتوصيات قبلية، خلطت الأوراق، وأدخلت الأمور في بعضها، بشكل أدى لسوء تفسير القرآن.
وتكمل الصحيفة لتقول: "جرائم الشرف ليست، كما يريد المعتذرون أن نعتقد، عنفًا أسريًا يحدث في كل المجتمعات، إنها خاصة بالدين والثقافة الإسلامية، ويجب مناقشة الموضوع بهذا الشكل إذا ما أريد لنقاش مخلص حول القضية أن يبدأ".
"ومن المؤسف أن الصمت يكون رد الفعل الطبيعي على مثل هذه الجرائم؛ خوفًًا من الوصم بالإسلاموفوبيا (العداء للإسلام)، وبذلك يسمح الجميع -الصحفيون، والعاملون في الحقل الاحتماعي، والمسئولون الحكوميون، والمدافعون الغربيون عن حقوق المرأة- بإخفاء تهديد قاتل لحقوق المرأة".
وترى الصحيفة أن "الثقافة الغربية تمنح المرأة القدر الأكبر من الحقوق، ومن ثم يجب الدفاع عنها بقوة. كما أن المنظمات النسائية -التي تصدر بيانات إدانة موسمية لجرائم الشرف، مثل المنظمة القومية من أجل المرأة- بحاجة إلى أن تجعل محاربة هذا الفعل على رأس أولوياتها، مثلما تفعل مع غيرها من القضايا".
وتختم الكاتبة"سينامون ستيلويل" تقريرها بتلك الكلمات: "من الواجب علينا جميعًا، وليس فقط النساء، أن نعلن عن رأينا بوضوح فيما يتعلق بهذه الجرائم، فحياة الفتيات الصغيرات أضحت على المحك".

0 comments: