ترجمة / علاء البشبيشي
أصل الحكاية
بدأ الإنسان الآلـي في الانتشار، وأصبح من الثقافات الشائعة لدى الكثيرين، منذ اختار الكاتب المسرحي التشيكي " كاريل كابيك" عام 1920، الإنسان الآليّ كأحد أبطال قصته الشهيرة Rossum’s Universal Robots) ). لكن تاريخ ولادته الحقيقية، وليست الخيالية، يرجع إلى خمسين عامًا فقط. لذلك فـ"كابيك" يطلق عليه مخترع الروبوت. وقد اشتُقَت كلمة "روبوت" (Robot) من كلمة "روبوتا" التشيكية والتي تشير إلى العمالة الجبرية في قصة "كابيك".
وأخذ الروبوت في بعض الأحيان الشكل البشري، وتبنت صنعه كبرى الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا، واستمر في التطور حتى وصل لأشكال وتقنيات تفوق الخيال.
ورغم اختلاف أشكال وأنواع، وربما تقنيات تلك الروبوتات، إلا أنها تشترك جميعها في ثلاثة أشياء رئيسية تتكون منها:
(1) الجسم المادي الذي يتكون منه الروبوت، ويكون بأشكال مختلفة، على شكل جسم إنسان، أو ذراع، أو سيارة، أو آلة ميكانيكية معقدة...
(2) برنامج كمبيوتر للتحكم بتحركات الروبوت.
(3) آلية الحركة، ويتم ضبطها بواسطة برنامج الكمبيوتر.
وما زال العديد من "روبوتات" اليوم توجهها أياد بشرية عن بُعد، لكنها تكتسب مع مرور الوقت قدرًا لا بأس به من التحكم الذاتي، والاستقلالية.
وتحظى تكنولوجيا "الإنسان الآليّ" حاليًا باهتمام كبير في العديد من دول العالم المتقدم، وقد حققت تقدمًا سريعًا وبدأت تدخل تقريبًا في شتى مجالات الحياة اليومية، تستثمر فيها مليارات الدولارات، وأصبحت معيارًا لقياس قوة الدولة الصناعية، وحاسمة للمنافسات الاقتصادية بين العمالقة الصناعيين.
نعمة...!
تواجد الروبوت في حياتنا جعلها أسهل، فهو يحمل عنا العديد من الأعمال التي تعتبر شاقة بالنسبة للإنسان أو التي تحتاج إلى دقة وإتقان شديدين، مثل التحكم بالإشارات الضوئية والأبواب الالكترونية وآلات التصوير، والقيام بالأعمال المنزلية كالتنظيف والتسلية وغيرها.
وقد اعتبر "الإنسان الآليّ" مثاليًّا لتلك الأعمال التي تحتاج إلى الدقة والتكرار، حتى إنه دخل الصناعة من أوسع أبوابها وعمل 90% من "روبوتات" العالم في المصانع كمصانع السيارات والأدوية، والنسيج، والطعام، وغيرها.. بصورة أكثر حرفية، وأقل تكلفة من الأيدي البشرية.
لذلك نجده ينافس الإنسان في قدرته على الإنتاج في بعض المجالات الصناعية.
هذه التقنية يمكنها أيضًا المشاركة في إنجاز الأعمال الخطرة والمتعبة، بل والضرورية كذلك، مثل مساعدة المسنين والمعاقين على العيش باستقلالية.
وازدادت أعداد الروبوت بشكل متسارع مؤخرًا، وبلغت من الدقة بحيث تستطيع الزحف داخل معدة المريض في العمليات الجراحية، تحت إشراف الجراحين، حيث تستطيع رؤية الأشياء على هيئة ألوان، ويفتقد للرؤية المجسمة أو الثلاثية الأبعاد.
وفي مجال الفضاء.. تقوم الروبوتات بدور أساسي في المهام الاستكشافية، لمساعدة الرواد.
ونقمة...!
ورغم كل ذلك لا تزال تلك التقنية الحديثة تثير العديد من المخاوف، والتهديدات بعد استخدامها في مهام عسكرية قذرة.
ففي عالم الواقع أخذ الموضوع منحىً آخر، بعد أن بلغت هذه التقنية الحديثة من الخطر بحيث استخدمت في المعارك الحربية. بل كشفت الإحصائيات وجود 4 آلاف منها في ميدان الحرب بالعراق وأفغانستان، وهي تقوم بأعمال خطيرة كإزالة الألغام، وقيادة العربات بلا قائد، وتوجيه المركبات عن بُعد، والقيام بعمليات الاستطلاع والاستكشاف الميداني، وحتى المشاركة في المهام الحربية الالتحامية.
وتسعى القوات المسلحة الأمريكية إلى تحويل نصف مركباتها إلى مركبات آلية، والتحكم عن بُعد بواسطة الروبوت، وبدون تدخل بشري بحلول العام 2015. بل أطلقت "وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة للدفاع" الأسبوع الماضي عرضًا للمركبات الآلية القادرة على التشغيل الذاتي في المدن المزدحمة.
وتهتم وزارة الدفاع الأمريكية بموضوع التجسس بشكل كبير جدًّا؛ حتى إنها تطور حاليًا أبحاث طائرة تجسس صغيرة في حجم الذبابة تقريبًا، ولا يمكن رصدها، كما يمكنها أن تخترق أكثر الأماكن سرية، وذلك بفضل الـ(نانو تكنولوجي) التي بواسطتها يمكن تحميل هذا الجاسوس الصغير أجهزة تنصت وتصوير، بل وأشعة ليزر قاتلة في بعض الأحيان؛ مما يؤيد المخاوف القائلة بأن الصراعات ستتحول إلى حروب تكنولوجية بحلول العام 2020.
ولا زالت المخاوف قائمة!
أعرب مسؤولو الطيران عن تخوفاتهم الأمنية من تزايد استخدام الطيار الآلي في الطائرات المدنية، لذلك فقد وضعت بعض القواعد الجديدة للتعامل مع الروبوت، نتيجة انتشارها واكتسابها قدرًا من الاستقلالية. فبعض الطائرات بدون طيار لا بد وأن يكون لديها تقنية تجنب مثيلاتها التي يقودها طيار بشري في الأجواء، وإمكانية تفادي حوادث الاصطدام.
لكن تبقى أكثر التخوفات من حق الخصوصية التي ربما تنتهكها تلك التقنية بالغة الصغر، والتي تستطيع التحليق داخل المباني، وتصوير كل ما تراه، والله وحده يعلم ما يمكنها أن تفعل بتلك المعلومات.
وقد جندت أمريكا للعمل في هذه المشاريع العديد من الجهات العسكرية والمدنية، من بينها "مكتب أبحاث الجيش"، و"مكتب أبحاث البحرية"، و"مكتب علماء القوات الجوية"، وكذلك "وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة" بالتعاون مع مجموعة من علماء الأحياء وعلماء الهندسة من مختلف الجامعات.
وفي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن الحس العام، والقوانين الحالية تحمل في طياتها من العواصم ما تكفي لضمان استخدام هذه التقنية لسعادة البشرية، لا العكس، تبقى أي إجراءات جديدة في حاجة إلى التريث في اتخاذها، والتروي قبل استخدامها، حتى لا تعيق الإبداع والابتكار، وفي نفس الوقت تحمي البشر من تجسس الآلة، وربما فتكها بالبشر.
ويبقى هنا سؤالان اثنان: هل يمكن تحقيق هذا التوازن، والوفاء بمتطلبات تلك المعادلة الصعبة؟! وأين العالم العربي من هذه التكنولوجيا المتقدمة؟!